الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق 22 جمادى الأولى 1446
ads
ads
رشا الشايب
رشا الشايب

رشا الشايب تكتب | الأفعال هي الحب الحقيقي .

الأحد 09/يونيو/2019 - 10:35 م
طباعة

الأفعال، كلمة السر لتأكيد وإثبات علاقات الحب الحقيقية، وكلما علت قيمتها وتوالت باستمرار، كلما دلّ ذلك على مشاعر حقيقية صادقة والعكس صحيح، أي كلما قلت وتضاءلت فكلما تأكدت أنك في علاقة مزيفة خادعة لا تحكمها سوى كلمات كاذبة، قيلت بدون إحساس صادق أو شعور حقيقي، خرجت من على لسان أحدهم ولم تخرج من قلبه، وشتان بين ذاك وذاك، وقيلت لغرض ما، وليس للتعبير عن حب حقيقي صادق.

فالأفعال هي الكنز الثمين الذى يُخبئه القلب في مكان منير بين أغلظ أوردته وداخل أعظم شرايينه، فذاك الكنز الثمين الذي يلجأ إليه الحبيب وقت الأزمات مع من أحب، فإن وجده زاخرا ممتلئا مشحونا بكل ما هو غالي ونفيس من مواقف لا تُنسى وتضحيات لا يُستهان بها، وقتها يستطيع القلب أن يستند عليها، فينسي كل سوء ويتجاوز عن كل ما يعكر صفو العلاقة من صغائر، ليحتفظ بها قوية متينة أبية على أي انكسار أو فشل أو حتى التشويش.

وذلك لأن صندوق أفعاله النفيس مُلئ على آخره، وشُحن لكامل طاقته، وأما مشاعر الحب والمودة فيه سَجَلت أعلى الدرجات لو قيست بميزان حرارته، لدرجة أن نشر نوره ليملأ كل وجدان القلب فأضاء كامل أوردته.

وهذا الكنز الثمين والأساس المتين وكلمة السر وراء نجاح أي علاقة (الأفعال)، يجب أن يُشحن كل فترة، أي يجب أن يُقدم الطرفين على البذل والعطاء في فترات متقاربة نسبية، فلا تعتمد على أن أفعال قليلة أو قديمة قادرة على ملئه للأبد.

فإن اعتقدت ذلك فأنت حقا خاطئ، فلنجاح العلاقات ولتحقيق استمراريتها يجب أن تستمر الأفعال وأن تكون حاضرة دوما طوال الوقت.

لأنه ببساطة، الأفعال هي التي تذكرنا دوما بعمق الحب، وصدق الحنين، وحقيقة الأشواق، ورقة الشعور، وهي التي تُترجم لنا صحة الكلمات وهيام النظرات، وهى التي تصف لنا جمال اللقاء وعشق الملامح، هي التي تخبرنا دوما عن مفهوم التعلق بسجايا الروح أو تفاصيل الجسد، هي أساس العلاقات ومعيار استمراريتها وكلمة سر نجاحها وتأتي من الطرفين، فكلاهما يعطى وكلاهما يأخذ، وتلك هي العلاقة السليمة.

وليس من الإنصاف أن نُساوي الأفعال بالكلمات، فالكلمات لا تستهلك شيئا سوى نطقها، أما الأفعال فيبذل فيها صاحبها الطاقة والجهد وكذلك الوقت، فلا يُقدم عليها أحد إلا إذا أحب وبصدق، فكونك تختار أحدهم لتتعب من أجله أو تضحى لأجله فهذا يثبت حقيقة مشاعرك تجاهه ويؤكد تفرده في قلبك.

ومما يؤكد قوة الأفعال وعلو مكانتها عن الكلمات في العلاقات، حقيقة هامة جدا، هي أن الكلمات تحتاج دوما لسند الأفعال لتثبت صحتها، أما الأفعال فلا تحتاج للكلمات لتدعمها، فهي مسنودة بذاتها، معبرة بمفردها، تفرض نفسها بنفسها، فالمعاني التي تُترجمها الأفعال أصدق وأصفى بكثير من أقوى العبارات وأثرى الكلمات.

وسبب آخر يؤكد قوة الأفعال هو أن الحب نفسه أعطاها إذنه، بأن تتكلم بلسانه، وأن تدافع عن مكنون أشواقه، وأن تُنصف نبضات حنينه، وتبرئ صدق إحساسه من احتمالية الكذب أو ظنية الخداع، فكل أولئك الضحايا كما ترونهم صامتين، لم يجدوا من يُعلي من صوتهم ويُظهر صدقهم ويُعلن للجميع براءتهم من تهم الزيف، هؤلاء الضحايا لم ولن تستطع الكلمات مهما تزايدت وتيرتها أن تُنصفهم أو أن تُبرئ ساحتهم.

وإن أردت أن تختبر مدى نجاح العلاقات، اختبرها يقينا وقت اندلاع الأزمات، فهذا معيار دقيق لقياس مدى صدقها،  فالأزمات تشق صمت العلاقات وتهدم سلامها وتقطع أواصرها، وتطفئ ضي بريقها، فإن احتكم القلب وقت حدوث الأزمات للكلمات فقط، فلن تُنجده ولن تُثنيه عن رأيه إن قرّر التخلي، لأن الكلمات ينساها القلب سريعا، فتطردها أوردته خارج محرابه، لأنها كما قلت سابقا تحتمل معاني الزيف والخداع، وقد تستعيدها شرايينه من جديد - بعد أن تُختبر بالأفعال- لكي تُهدئ من روع صيحات الأشواق المتصارعة ونوبات الحنين المتتابعة.

أما الأفعال فإن احتكم لها القلب وقت الأزمات، وجدها دوما كالصولجان العادل الذي يضمن توازنه و يضبط اتزانه، فتنعشه بعد اهتزاز، وتعيده لوضعه السليم إن ضلّ وإن مال، أو حتى وإن احتله العدو الظالم، الشبح الأسود الغاشم، الضيف الثقيل والظل الكريه ألا وهو داء القسوة اللعين، والذي إن تملّك من القلب وملكه، إلا وأبدل جوهره، واستبدل فطرته، وأطفئ نوره، وغيّر ملامحه، ونسف براءته، واستباح طيبته، وهتك حبال الخير الموصولة بأوردته، وأنبت بذورا من الشر اتصلت بنبضاته، ولوث نقاء هواء أنفاسه، وأعلن سيطرته علي القلب بإحكام بلا أدنى مقاومة وبكل أشكال الاستسلام، فأصبح القلب مريضا بالقسوة، وما أعظمه من مرض، فما إن تشبث بالقلب إلا وطرد ضيوفه الكرام سواء الرحمة أو التغاضي أو قبول الأعذار أو الحنان؛ طردا مريرا وقحا بغير رجعة أو حتى استشعار للندم على ما فات.

املئوا  القلوب برصيد كافٍ من الأفعال، واجعلوها راكزه ومثبتة في صُلب القلب فلا يقدر على نسيانها وإن جاهد وحاول، ففي كل أزمة يستهلك القلب جزءا من رصيد كنزه من الأفعال كي تمر الأزمة بسلام، فيقتنع وبمبررات مقبولة على وجود الحب رغم شدة الأزمات، فيتغاضى وينسى، لكن لا تدعوا الرصيد ينفذ لأنه وإن حدث ذلك وبمرور الأزمات فلن يستطع القلب وقتها أن يصمد كثيرا، فسيُنهى الأزمات بقطع العلاقات.

احذروا إن نفد رصيد مخزون القلب الثمين من الأفعال، فوقتها يكون القلب قد استهلك كل طاقاته، واستنفد جميع أدواته، وأقدم على الاستغناء، بل وبرّر الاستغناء، وأعلن بقوة وبرود طرد من كانوا يسكنون فيه بلا رجعة وبمنتهى الجحود، وقرر بقسوة وعناد فكرة البعاد، وسعى بكبرٍ واستعلاء إلى الإقدام على النسيان للهروب من واقع الخذلان، ومحو شريط الذكريات فتطير في الهواء كالدخان، وقرر هدم العلاقة من أساسها مهما طال عمرها أو امتد زمانها، فلا سبيل لأي إصلاح، فلقد فات الأوان، وسعي بكامل إرادته إلي أن يلجم ويسكت مشاعر الحنين والشوق بل ويطردها خارج محرابه وينثرها على رمال الشطآن لتبتلعها أمواج البحر الهائج الغضبان، ولا تتعجبوا فهذا رد فعل متوقع لقلب مات شغفه واختنقت لهفته وما عاد يشعر بالأمان.

ما مدى انتشار واتساع الصحافة الالكترونية بالوطن العربي ؟
ما مدى انتشار واتساع الصحافة الالكترونية بالوطن العربي ؟